لا اكره البحر فقط الموجة التي أخذت حبيبي..

جرف
صخري على البحر كان ملاذي الاخير والوحيد حينها، كنت اعتقد أن الحب تفاهة
وأن العاشقين أغبياء، ولا ادري إن كانت قصة حب فاشلة طوتها شهور، كافية
لتبرير ما كنت أِمن به.

كنت
أميل الى الوحدة، وامقت وجوههم، كان الجرف ملائما لي تماما، فاحيانا أتخيل
انني الموج الهادر الذي حطمت خيانته الصخرية كبريائي وشموخي، وأحيانا أقول
أنا الصخر فرغم انه لم ينل مني الشيء العظيم الا انه اخذ رمالا من صحراء
حبي.

كنت
متجهة صوب الجرف حين نالت من جسدي موجة ماكرة، ارتبكت..وشعرت ببرد، ولم
يكن هو ابعد من 5 امتار...اقترب مني وقدم لي منشفة..نعومتها غريبة كما
نعومة ملامحه..حملقت بعينيه فارتبكت مرة أخرى...

حينها قال : اطمئني يا آنسة لن تحتاجي لأكثر من 20 دقيقة حتى تجف ملابسك تماما...

- اممم..انا..نعم، شكرا، شكرا على لطفك!

- أم انك تريدين ان اوصلك الى البيت ؟

- أنا في الحقيقة...

- كنت متوجهة الى الجرف ؟

- نعم هل ترافقني ؟ -ولا ادري كيف خرجت ؟-

- طبعا بكل سرور!

عرفت عنه الكثير وعرف عني كل شيء، ومن تافهة لا تدرك معنى الحب أصبحت مع من يقول: الحب يولد من النظرة الاولى !!

لم
يومها يؤلمني أن به مرضا بقلبه لم يرتح منه مع أنه جاب باحثا عن الدواء
العالم ، فقد كنت أرى من عينيه العالم، كان عالمي!! كنت أرافقه الى جلساته
العلاجية وأتطلع دائما الى أقوال طبيبه، وأحرص على ان أحذره وأمنعه مما
يضره! أحببته فعلااااا..واعترف بحبه كذلك.

أذكر
أنه أحضر يوما قلادتين بأول أحرف اسمينا، أخذت حرفه وعلق حرفي، ولا تزال
رنة صوته قابعة في أذني حين اثلجني بخاطرة خطتها مشاعره قبل انامله وقال
انا الهمته !

لم
أكن احب السباحة وكان هو مرغما على تركها بسبب قلبه الضعيف !! كان أكثر ما
يتبادر لذهني وانا بقربه سؤال واحد، كيف عجز الكثيرون على اعطائي الحب
والامل لاعيش، واستطاع هو على ملىء دنياي بقلبه الضعيف ؟!

كان يوم أحد وكنا قد ضربنا موعدا للاستمتاع باشعة الشمس الطرية على الشاطئ والرمال، وليس على جرفي...

حضر مبتسما وبادلته الابتسامة البريئة العذبة، نصبنا المظلة، وجلس هو يحدثني بغموض لم أفهمه ! ثم انطلقت من شفتيه الجملة:

- هل تتزوجينني..؟

ارتبكت كما حدث أول مرة، وحركت وجهي بالايجاب كما الطفل !

- ولكن على أن نقيم الزفاف على هذا الشاطئ..

عندها جرني إالى الماء وبلل وجهي بلقطة طفولية:

- لك ذلك!

ضحكت من الخاطر، ولعبنا بالماء الى ان انسلت تلك القلادة اللعينة من عنقه...بحماقة وطيش قال :

- لا تقلقي حبيبتي، فورا سأحضرها !

افلت
من يدي وقفز الى هلاكه، الى الموجة التي سرقته، ابتعد شيئا فشيئا، وتسارعت
دقات قلبي ، ابصرت حبيبي يصارع الموج، القيت بنفسي وحاولت أن اصل اليه،
ولكنه مات هكذا بكل بساطة..أعمى ضباب الدموع عيني وامتزج الهرج والمرج
بكلماته الاخيرة، انتشلوا جثته هامدة، ويا ليتهم انشلوني معها، أبصرت
بيمناه قطعة حديدية، إنه أول حرف من اسمي ، من اللوعة هممت بقذفها، ولكن
شيئا ما دفعني الى تفحص حرفه..إنه ما يزال معلقا بعنقي، سأعلق الاثنين
معا، هكذا سنبقى معا..آآآآآآه.

مضت
شهور ولم تندمل جروحي !!! ولكنني استجمعت قواي ورحت الى نفس المكان...شاطئ
الفاجعة..انهارت قواي التي استجمعتها..وبكيت بكيت كثيرا ، وبللت الرمال
ولكن ليس كما فعل مد البحر..إنه اقوى مني ومنه..إنه أقوى منا...إنه كذلك
دائما...

وعدت الى جلستي.. الى جرفي الكئيب..إنما بقناعة أخرى :

الحب موجود....................